احذري يا نفس..ويحك يا نفس.. اما تخافين.. أما تخافين إدمان معاتبة النفس وتخويفها:
النفس إخوتاه تركن الى اللذيذ والهين.. فعلمها التحليق.. تكره الاسفاف.. علمها العز.. تأنف من الذل.. عرّفها الرب.. تستوحش من الخلق... نفسك هي دابتك التي تحملك الى الله.. عرّفها الطريق. تنقاد.. أبدا في معاتبتها وتقريرها بما صنعت من المعاصي.. لتنكسر لله..
قل لها يا نفس .. أرأيت إن متنا الآن بما نلقى الله..؟! ألحّ عليها حتى تلين.. اجعلها تعترف بكثرة جرائمها وذنوبها.. ادم ذلك عليها.. اجعله عملها.. أوجع بذلك ضميرها.. أسل بذلك دمعتها.. استنغفر الله من سوء ما تقدم من صنيعك وبخ نفسك..
قل لها.. يا نفس.. ويحك يا نفس.. لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا.. ولا يغرّنّك بالله الغرور.. يا نفس .. انظري الى نفسك... فما أمرك بمهم اغيرك.. يا نفس لا تضيعي أوقاتك.. فالأنفاس معدودة.. فإذا مضى منك نفس.. فقد ذهب بعضك.. اغتنمي الصحة قبل السقم.. اغتنمي الفراغ قبل انقضائه.. الغنى قبل الفقر.. الشباب قبل الهرم.. والحياة قبل الموت..
يا نفس استعدي للآخرة بقدر بقائك فيها ويحك يا نفس.. إن كنت يا نفس لا تتركين الدنيا رغبة في الآخرة لجهلك وعمى بصيرتك فاتركيها ترفعّا عن خسّة شركائها تنزها لكثرة غثائها وعنائها.. توقيا من سرعة فنائها.. مالك يا نفس تفرحين بدنيا إن ساعدتك.. فإنها ستكون حجة عليك.. مالك يا نفس تفرحين بدنيا إن كانت لك فلا تخلو البلد من جماعة اليهود والمجوس يسبقونك بها ويزيدون عليك في نعيمها وزينتها.. فأف لدنيا يسبقك إليها هؤلاء الأخساء.. ما أقلك يا نفس وأخس همتك يا نفس.. وأسقط رأيك يا نفس.. إذا رغبت عن أن تكوني زمرة المقربين من النبيين والصديقين في جوار رب العالمين.. أبد الآبدين رغبت في أن تكوني في جنة النعيم لتكوني في صف النعال من جملة الحمقى الجاهلين.. أياما قلائل تفرحين ثم الى الأبد تعذبين فيا حسرة عليك إن خسرت الدنيا والدين.. ويحك يا نفس.. بادري بالتوبة فقد أشرفت على الهلاك.. اقترب الموت.. وورد النذير فمن ذا الذي يصلي عنك بعد الموت.. من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت.. من يترضى عنك ربك بعد الموت.. ويحك يا نفس مالك إلا أيام معدودة وهي بضاعتك إن أتجرت فيها فزت.. ويحك يا نفس.. قد ضيّعتي أكثر رأس المال فلو بكيتي بقية عمرك على ما ضيّعت فيها لكنت مقصرة في حق نفسك.. فكيف يا نفس.. إذا ضيّعت البقية وأصررت على المعاصي.. اما تعلمين أن الموت موعدك.. والقبر بيتك.. والتراب فراشك.. والدود أنيسك.. والفزع الأكبر بين يديك.. أما علمت يا نفس أن عسكر الموت عندك على باب البلد ينتظرون وقد آلوا على أنفسهم بالإيمان المغلظة أنّهم لا يبرحون يا نفس.. أما علمتي أن الموتى العودة ليشتغلوا بالعمل الصالح ويستدركوا ما فرط منهم... أنت في أمنيتهم فاعملي.. يا نفس إن يوما من عمرك لو بيع منهم بالدنيا وما فيها لشروه.. ولو قدروا عليه وأنت تضيعين أيامك في الغفلة والبطالة ويحك يا نفس.. اما تخافين.. أما تخافين{ كلا إذا بلغت التراق* وقيل من راق* وظنّ أنّه الفراق* والتفّت الساق بالساق* الى ربك يومئذ المساق* فلا صدّق ولا صلى* ولكن كذّب وتولّى* ثم ذهب الى أهله يتمطى* أولى لك فأولى* ثم أولى لك فأولى} [القيامة: 26-35]. ويحك يا نفس.. أما تخافين أن تبدو رسل ربك منحدرة إليك بسواد الألوان وكلح الوجوه.. وبشري العذاب.. أما تخافين؟ أما تذّكرين..؟ هل تذكرين..؟ هل ينفعك ساعتها الندم..؟ أو يقبل منك الحزن..؟ أو يرحم منك البكاء.. ويحك يا نفس.. ويحك يا نفس.. تعرضين على الآخرة وهي مقبلة عليك... وتقلبين عن الدنيا وهي معرضة عنك..!
يا نفس.. كم مستقبل يوما لم يستكمله..؟ وكم من مؤمل غد لم يبلغه..؟ وتشاهدين في ذلك الموتى ولا تعتبرين..
احذري يا نفس.. احذري يوما ترجعين فيه الى الله فتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.. احذري يا نفس ذلك اليوم فقد آل الله على نفسه ألا يترك عبدا أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله. فانظري يا نفس بأي أمر تقدمين.. وبأي لسان تجيبين.. أعدي للسؤال جوابا.. انظري يا نفس الى الدنيا اعتبارا وسعيك لها اضطرارا.. ورفضك لها اختيارا.. وطلبك للآخرة ابتدارا.. يا نفس اتركي الدنيا مختارة قبل أن تتركيها مضطرة..
يا نفس كيف أقول لربي غدا إذا سألني عن عملي..؟ ووضح لي طريقي..؟ إذا نلت كتابي بشمالي..؟ ونادى ربي يوم القيامة وقد غضب غضبا شديدا لم يغضب مثله قط.. ولن يغضب بعده مثله..!
علاج النفس بالصوم ومنع الحظوظ:
إنّ البطن إذا أكلت أشرت وبطرت.. وإذا صامت انكسرت.. وقل نشاطها.. وعادت الى ربها.. فأدمن الصيام كما أوصاك النبي العدنان.. عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم السلام.. قال:" فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أخرجه البخاري (1905) كتاب الصوم مسلم ( 1400) كتاب النكاح.
وجاء: بمعنى قاطع للشهوة.. فامنعها ملذاتها.. كما يقول ابن الجوزي.. امنعها ملذوذ مباحها ليقع الصلح على ترك الحرام..
أخي التائب.أختي التائبة . ابدأ بتحقيق التوبة النصوح.. ابدأ بأن تتوب الى الله توبة نصوحا.. وقد قال إبن القيّم: في التحقيق أن التوبة تستلزم ترك المناهي.. والإقبال على العمل بالأوامر.. فمن ترك المناهي.. ولم يعمل بالأوامر.. لم تقبل توبته.. وليس بتائب.. قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان:70].
فشرط قبول التوبة.. العمل بالطاعة.. فإن تب.. ارفع يديك.. ناد ربك.. وقل له يا رب تبت من كذا وكذا من المعاصي..
ولكن اعلم ـ رحمني الله وإيّاك ـ أن تحديد المعاصي التي تتوب منها ليس شرطا في التوبة.. فقد تكون التوبة مجملة.. بأن تتوب الى الله من جميع الذنوب والمعاصي جملة دون تفصيل.. فتقبل إن شاء الله..
وإنما يكون هذا التحديد لزجر النفس وتذكيرها.. وإلهامها التوبة وتثبيتها على هذه المعاني..
تبت من كذا وكذا.. وعزمت ألا أعود أبدا لكذا وكذا.. وعاهدتك ربي أن أفعل كذا وكذا..
لا بد من هذا الوضوح وإيّاك أن تسوف.. الساعة.. الساعة قل: تبت.. ثم ابدأ بإمساك المصحف.. وصف قدميك لله تعالى.. أمسك بالمصحف وقل الله أكبر.. اقرأ عاء الاستفتاح.. اقرأ الفاتحة.. تباك بين يدي الله سبحانه وتعالى.. رحم الله أحد مشايخنا كان يقف في الصلاة ويقول: ألا تعرف كيف تصلي..؟ كيف تذل لله سبحانه وتعالى..؟ وتتباكى بين يديه..؟
ابدأ بدعاء الاستفتاح وتباك.. فلا تبدأ في قراءة الفاتحة حتى تسيل دموعك على خديك وتسترسل في القراءة حتى يغلبك البكاء فلا تملك إلا الركوع بين يدي الملك ثم تسجد له وحده ودموعك تغسل جبال الذنوب التي تطبق على صدرك وتكاد تزهق أنفاسك وتخرج من الصلاة وأنت لا تريد أن تنتهي مناجاة ربك.. فتشعر عندها أنك وجدت نفسك.. وجدت لقلبك الحائر مستقرّا.. ووجدت لنفسك القلقلة سكنا.. ووجدت لروحك المعذبة أمانا..
فإذا طالبت بالطعام فذلها.. وإذا أرادت النوم فاحرمها.. امنعها فضول المباح ليقع الصلح على ترك الحرام.
أن تأخذ من نفسك الراحة وتنزل بها التعب ونقصان المباح:
إن نفسك تعمل.. فإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.. أتعبها في قيام الليل.. نم ساعتين فقط.. بعدها توجه للعمل.. عندها لن تجد القوة لتعصي الله.
حتى إذا كنت طالبا.. إنك تستطيع القيام أولا بواجب الاستذكار.. ثم تستعين بالله وتقوم الليل. ثم نم ساعتين. واستعن بالله تمضي الى الامتحان نشيطا.
لا تخطئ الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون.. أن تتعلق قلوبهم بما حصلوا من المواد العلمية فقط.. وينسون أن التوفيق من الله وحده.. إن الذي يعلّم ويذكّر هو الله سبحانه وتعالى فيتعلق قلبك به.. هو الفتاح العليم.. فهو الذي قد يفتح عليك هذه الاجابة أو يخذلك.. هذا مع ضرورة الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله..
أنك إذا أتعبت جوارحك في طاعة الله عز وجل أتعب الله الكائنات في خدمتك.. إن مشكلة قومنا أنّهم لو يجربوا التعب لله.. لقد جربوا التعب في الدنيا .. ولم يجربوا التعب لله.. لقد جربوا التعب في الدنيا.. ولم يحصلوا شيئا.. ورغم ذلك لم يكفوا عن مواصلة التعب فيها.. تعبوا كثيرا للزوجات .. للأبناء.. للنفس.. للهوى.. ولكل ما عدا الله سبحانه وتعالى.. فلنجرّب الآن نوعا جديدا من التعب.. التعب لله عز وجل.. قال بعضهم حين سئل: ماذا تشتهي.. قال: إني لأشتهي أن أقوم في الصلاة حتى يشتكي صلبي.. وقيل لبعضهم: ماذا تشتهي..؟ قال: أشتهي أن أقوم حتى لا أقدر أن أقوم.. أود أن أقف في الصلاة حتى لا أستطيع القيام.. أريد أن أسجد حتى تتقطع أنفاسي.. أريد أن أركع لله حتى تشكو عضلاتي.. أريد أن أصوم لله حتى لأشرف على الهلاك من الجوع.
إن التعب غير مقصود لذاته وإنما المقصود إذلال النفس لله.. إنكسارها له.. أما إذا أعطيت نفسك مطلوبها بدون عناء.. فستقودك الى الكفر بنعم الله.. ستقودك الى جهنم.. ومن سقط في المعاصي يحدثك: يقول أن نفسه قالت له: ابدأ بسيجارة.. ثم بعد أن سقط في هوّة التدخين قالت له: ألا تجرب المخدرات.. ثم الخمر.. ثم دفعته الى الوقوع في الفواحش.. زنا.. لواط.. إلخ.. حتى يصل إلى عبادة الشيطان.. ويقع في الكفر عياذا بالله من الخذلان.
إن الحل هنا أن تقف مع أول خاطر.. فإذا قالت لك نفسك: النوم.. فقل لها سنقوم الليل.. وإذا طالبت بالطعام.. فقل: سنقرأ القرآن.. فإذا أرادت الخروج للقاء الأصدقاء فقل لها أين الاعتكاف..؟
خالف نفسك.. حتى تفوز برضى الله..
إن كل ما سبق بدايات ولكن إذا ألفت نفسك الطاعة.. أنفت المعصية.. وإذا أدمنت حب الله والانقياد لأوامره تركت الذنوب.. وسهل عليها الأمر.. ومن يتصبر يصبره الله.. والله المستعان.
__________________